ما هيَ الاعتباراتُ الصحيحةُ
اليقينيّةُ المدخَلةُ إلى قولِ اللهِ تعالى: "يوصيكُمُ اللهُ في أولادِكُمْ
للذكرِ مثلُ حظّ الأنثييْنِ فإنْ كنَّ نساءً فوقَ اثنتيْنِ فلهنَّ ثلثا ما تركَ
وإنْ كانتْ واحدةً فلَها النصفُ..." التي تأسّسَ عليْها الحكمُ بأنَ حظّ
الذكرِ (الابن)، هوَ مثلُ حظِّ الأنثى (البنت)؟
ومن قبلِ
التبيينِ لهذهِ الاعتباراتِ، لا بُدّ منَ التعرّفِ على كيفيّةِ بدايةِ فهمي أنَّ
حظّ البنتِ يساوي حظّ الابنِ.
صدقاً، كانَ ذلكَ منَ انتباهةٍ
خاطفةٍ في تلاوةِ الآيةِ (7) من سورةِ النساءِ: "لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ
مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا
تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا
مَّفْرُوضًا"؛ إذْ أدركتُ لمحاً أنّ كونَ "نصيباً"- هو في
الإعرابِ- حالاً مشتركاً بينَ نصيبِ الرجالِ، وبينَ نصيبِ النساءِ- أدركتُ أنّه يعني
أنّ النصيبيْنِ متماثلانِ تساوياً. وبالتالي، تيقنتُ أنّ جملةَ "للذكرِ مثلُ
حظّ الأنثى" لا بدّ أن تفيدَ نفسَ الحكمِ، وإلّا كانَ القرآنُ الكريمُ
مشتملاً على تناقضٍ. وحاشَ للهِ سبحانهُ أن نجد في كتابِهِ العزيزِ أدناها أثارةً
من شبهة التناقضِ أو أيّ أمارةٍ للاختلاف.
وعلى كلّ حالٍ، فإنّ الآيةَ
السابعةَ وحدَها كافيةٌ للدلالةِ القطعيّةِ على أنّ حظّ الذكرِ (الابن أو الأخ)
هوَ مثلُ حظّ الأنثى (البنت أو الأخت)، وذلكَ من مجرّدِ أنَّ حالَ نصيبِ الرجالِ
وحالَ نصيبِ النساءٍ قد اتّحدا في الحديثِ عنهما بحالٍ واحدةٍ، أو حتّى ولوْ
بتمييزٍ واحدٍ، أو بتخصيصٍ واحدٍ؛ فالحظّانِ المتحدانِ حالاً هما بالضرورةِ
متساويانِ مالاً.
ومعَ أنَّ كلّ استدلالٍ
آخرَ بجانبِ ما قطعتْ بهِ الآيةُ المذكورةُ من التماثلِ مساواةً بين حظّ الذكر
وحظّ الأنثى، ما هوَ إلّا من نافلةِ الإثباتِ، فلا بأسَ من مزيدٍ من البرهنةِ
استئناساً وتثبيتاً.
فما هيَ الاعتباراتُ
المدخَلةُ إلى قولِ اللهِ تعالى: "يوصيكُمُ اللهُ في أولادِكُمْ للذكرِ مثلُ
حظّ الأنثييْنِ فإنْ كنَّ نساءً فوقَ اثنتيْن فلهنَّ ثلثا ما تركَ وإنْ كانتْ
واحدةً فلَها النصفُ..." التي تأسّسَ عليْها الرأيُ بأنَ حظّ الذكرِ (الابن)
هوَ مثلُ حظِّ الأنثى (البنت)؟
1- اعتبارُ أنّ لفظَ
"الأنثييْنِ"، هوَ مثنّىً مؤنّثٌ مجازيٌّ، ذو دلالةٍ عدديّةٍ مبهمةٍ،
أيْ: إنّهُ إمّا يدلُّ على أنّ المرادَ هوَ الأنثيانِ كلتاهُما، بوجودِ قرينةٍ،
وإمّا يدلُّ على أنّ المقصودَ من "الأنثييْنِ" هوَ إحداهُما؛ لأنّ
المثنّى المجازيّ التغليبيَّ مؤلّفٌ منْ فردينْ غيرِ متوافقيْنِ، غير متماثليْنِ؛
فالأبوانِ، مثلاً، هوَ مثنّىً تغليبيٌّ يَعني: الأبَ والأمَّ، وكذلكَ
"الوالدانِ": "ووصّيْنا الإنسانَ بوالديْهِ إحساناً، إمّا يبلغَنَّ
عندَكَ الكِبَرَ أحدُهمــــا أوْ كلاهُمـــا فلا تقلْ لهُما: أفٍّ، ولا تنهرْهُما،
وقُلْ لهُما قولاً كريماً، واخفِضْ لَهُما جناحَ الذُّلِّ منَ الرّحمةِ وقُلْ:
رَبِّ ارْحمْهُما كما ربّياني صغيراً".
2- وبالتالي، اعتبارُ أنَّ
"حظّ الأنثييْنِ" لا يفيدُ حظّاً مشتركاً بينَ اثنتيْنِ، ولا يعني:
حظّيْنِ اثنيْنِ لأنثييْنِ اثنتيْنِ، إلّا بقرينةٍ.
3- اعتبارُ الفاءِ في
"فإنْ كنَّ" للعطفِ، وليْسَ للاستئنافِ، وأنها تفيدُ "الترتيبَ
الذّكْريَّ"، فيكونُ ما بعدَها: "فإنْ كنَّ نساءً فوقَ اثنتيْن فلهنَّ
ثلثا ما تركَ وإنْ كانتْ واحدةً فلَها النصفُ..." تفصيلاً للمجملِ الذي
قبلَها الواردِ في جملةِ "للذكرِ مثلُ حظّ الأنثييْنِ".
4- وبالتالي، اعتبارُ أنَّ
جملةَ "للذكرِ مثْلُ حظِّ الأنثييْنِ" مرتبطةٌ بقولِ اللهِ تعالى:
"فإنْ كنَّ نساءً فوْقَ اثنتيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تركَ وإنْ كانتْ واحدةً
فلها النصفُ"، وأنّ العلاقةَ بينهما هي علاقُةُ التفصيلِ بالإجمالِ.
5- وبالتالي، اعتبارُ أنَّ
مرجعَ الضميرِ في "كنَّ" وهوَ نونُ النّسْوةِ، هوَ لفظُ
"الأنثييْنِ"، وكذلكَ اعتبارُ أنّ مرجعَ الضميرٍ في "كانتْ"
هوَ لفظُ "الأنثييْنِ" نفسُهُ. ورجوعُ ضمير الجمعِ على مثنّىً أو على اثنينِ أو اثنتيْنِ هو
من أساليبِ اللسانِ العربيّ المبين كما في قولِ اللهِ تعالى:"لا تسجدوا
للشمسِ ولا للقمرِ واسجدوا للهِ الذي خلقّهنَّ"(فصّلتْ: 37).
6- اعتبارُ أنّ
"فَوْقَ" تعني: عِدْلَ أو وِفاءَ، أوْ كِفاءَ؛ وأنّ معنى "نساءً
فوقَ اثنتيْنِ"، هوَ في المحصّلة: بنتانِ اثنتانِ فقطْ.
قد جاء في معجمِ
"لسان العرب" لابنِ منظورٍ في مادة "وفق" - جاءَ قولُهُ:
وتقولُ: هذا وَفْقُ هذا
ووِفاقُه وفيقُه وفـــــــــــــــوقُه وسِيُّـهُ وعِدلُــــــهُ واحدٌ" أيْ: إن هذه الكلماتِ
الستَّ تفيد معنىً واحداً هو التساوي مقداراً أو عدداً، أو تفيدُ المماثلةَ بينَ
الشيئيْنِ في الكمّ والوصفِ.
7-
وبالتالي، ونتيجةً للاعتباراتِ
الثلاثةِ الأخيرةِ (4، و5 و6) فقد تمّ اعتبارُ أنَّ قولَ اللهِ تعالى: "فإنْ
كنَّ نساءً فوْقَ اثنتيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تركَ" هوَ حظُّ بنتيْن
اثنتيْنِ، وذلك عندَما يكونُ معهنّ الذكرٍ، فيكونُ لكلِّ واحدٍ منَ الثلاثةِ
الثلُثُ.
وكذلِكَ، فإنّهُ قد تمّ اعتبارُ أنَّ قولَ اللهِ
تعالى: "وإنْ كانتْ واحدةً فلها النصفُ" هوَ البنتُ الواحدةُ عندما
تكونُ معَ الذكرِ المذكورِ في "للذكر مثلُ حظِّ الأنثييْنِ".
8- وبالتالي، فإنّهُ في
حالةِ الذَّكَرِ الوارثِ، سواءٌ مع البنتيْنِ أوْ معَ الواحدةِ، يكونُ هناكَ
استغراقٌ لكاملِ التركة، التي يمثلُها حسابيّاً الواحدُ الصحيحُ، فلا لزومَ عندئذٍ
لإدخالِ غيرِ الأولادِ، أيْ: لا محلَّ للعصبةِ مطلقاً، وينتجُ أنّ حظّ الذكرِ (الابن)
يساوي حظَّ الأنثى (البنت).
أجلْ، لقد افترى الأئمةُ والفقهاءُ على اللهِ كذباً في المواريث،
ولقد آنَ الأوانُ أن تعودَ العدالةُ الربّانيّةُ إلى حقوق الأنانيث، وأنْ يستيقظَ
المسلمونَ فيدفنوا "خراريف" علم الفرائض بأقوى المحاريث.
من كتاب "مواريث عطية