* كل كائن في عالمنا هذا خلقه الله بنفس المواصفات التكوينيّة ، ومن نفس المادة ، وله كيانه الوجودي المميّز ، ويملك نفس حجم العقل الذي يملكه أي كائن آخر. لكننا رغم ذلك نختلف في قدراتنا ، وثقافاتنا الإجتماعية ، وتركيبتنا النفسيّة ، وشعورنا بأهمية وجودنا ، وتقييمنا لذواتنا .
* في الدول الديموقراطية الصناعيّة الحديثة التي
تنعم بمستوى متطوّر من الحياة يحظى الانسان بقيمة كبيرة . الدولة تحمي حقوقه
السياسيّة والدينيّة والاقتصاديّة بالقانون ، وتضمن سلامته ، وتساوي بينه وبين أي
مواطن آخر في الحقوق والواجبات . ولهذا فإنه يعرف حقوقه ، وحقوق غيره ويحترمها ، ولا يتدخل في ما لا يعنيه إلا إذا
طلب منه ذلك ووافق عليه بإرادته .
* الحقوق التي منحتها له الدولة وأجازها له
القانون والمجتمع ، ومعرفته لنفسه وثقته بها ، تمكّنه أن يقول بصوت عال لمن يتعامل
معهم في مجتمعه أنه مسؤول عن تصرفاته فقط ، ولا يلام على تصرفات غيره حتى لو كانوا
أبناءه ، أو بناته ، أو أقاربه لأن كل فرد
مسؤول عن تصرّفاته وفقا للقانون ، وأمام أفراد
المجتمع ، ولهذا لا يجوز لا قانونا ، ولا خلقا أن يلام على أفعال غيره .
* لهذأ يشعر الفرد في هذه الدول بأنه سيد
نفسه ويقول بصراحة .. أنا هو أنا وكما أنا .. حر في تفكيري ، أثق بنفسي ، وأتصرّف كإنسان
أخلاقي مسؤول ، وأعمل وأعيل عائلتي كزوج
وأب ، وألتزم بواجباتي العمليّة وعلاقاتي الاجتماعية مع أصدقائي وزملائي في عملي ،
ولا أعتدي على قانون البلاد ، وأبتعد عن ما يسيء لي وللآخرين .
* إنني أشعر بأنني مواطن حرّ صالح متحضّر يستحق
الاحترام والتقدير ويعتز بنفسه ويحترم ذاته ، كذلك أعتقد أن كل إنسان في مجتمعي جيّد ويستحق الاحترام والثقة إلا إذا
أثبتت تصرّفاته عكس ذلك . إنني جزء من هذا المجتمع الجيّد ، وأشعر بما يشعر به كل فرد
، وأشارك الناس أفراحهم واحزانهم ، ولهذا فإنني أبذل جهدي لخدمة وطني الذي أكرمني
، وأشعر بالإرتياح والسعادة ، وأنشغل بشؤون نفسي وأسرتي ،
وأستمتع بحياتي ، وأنشر حولي صورة جميلة لحياة الشراكة المجتمعيّة الطيّبة .
* في مجتمعنا العربي ما زال معظمنا محكوم
بعقل القبيلة .. والعائلة الممتده .. التي أصبحت في عددها تساوي قبيلة صغيرة ،
وبالعادات والتقاليد التي تطبّقها الجماعة وتمليها على الآخرين . مجتمعاتنا تضعف
النزعة الفرديّة الاستقلاليّة عند الفرد ، وتقوّي النزعة التسلطيّة المجتمعيّة
التي تنمي إحساسه بالدونيّة ، وتلزمه على أن يظهر ولاءه للجماعة ، ويتصرّف كما
تتصرّف ، ولا يخرج عن القواعد والممارسات التي تقرّها وتقبلها .
* إنساننا محاصر برأي الآخرين فيه وما يقولونه
عنه . إنّه ليس .. سيّد نفسه .. ويشعر بالذعر لأنه يعتقد أن الناس الذين يعيش معهم
يبحثون دائما عن سيئاته ونقاط ضعفة ليستخدموها ضده ، وليتحكّموا في تصرفاته ، ويلزموه
على التظاهر والعيش بشخصية غير شخصيته ، وعلى التصرّف بطريقة مغايرة لتفكيره
وقتاعاته .
* هذه القناعات الاجتماعيّة التخلّفية تخلق
حالة من إنعدام الثقة في نفس الفرد تفقده إحترامه لذاته ، وتشعره بالضياع والإضطراب ، وتتركه حائرا لا يعرف ماذا يفعل في بيئة
إجتماعية متضاربة المفاهيم والقناعات ، ومصابة بعمى الألوان ، ومتناقضة في أحكامها
على الآخرين وفهمها لهم ، وعاجزة عن إصدار الأحكام الصحيحة في تقييمها لشؤون
مجتمعها وتصرفات أفراده .
* إنّه لا يثق بالجماعة البشرية حوله لأنها
تستطيع بسبب تخلّف أفرادها أن تحول الصادق إلى كاذب ، والمصيب إلى مخطىء ، والبريء
إلى مذنب ، والصديق إلى عدو ، والمستقيم إلى منافق ، والأمين إلى حرامي ، والحقير إلى أمير والأمير إلى حقير ، والطيب
إلى خبيث والخبيث إلى طيب ، والمثقف إلى غبي
والغبي إلى عالم .
* هكذا عقليّة مضطربة غير مستقرّه هي من سمات
المجتمعات المتخلفة في عالمنا ومن ضمنها الوطن العربي . الفرد العربي مثقل بتراثه
الاجتماعي الذي لا يستطيع أن يتمرّد عليه بسهوله لأن التمرد يعني إثارة الآخرين
ضده وعزله وربما تدمير حياته . إن حياة التناقض التي يعيشها تؤثر سلبا على ثقته
بنفسه وعلى احترامه لذاته . التخلف الذي عاش في ظلّه الانسان العربي سنوات طويله
هو الذي أوجد هذه الحالة التي لا نهاية لها الا بالعلم والثقافة والتقدم الاجتماعي
الذي يغير عقل الإنسان ، وأسلوب تفكيره ، وسلوكه .