* قبل أن يسيطر كاسترو ورفاقه على الحكم ، كانت كوبا جزيرة قمار وترفيه لأغنياء أمريكا ، وكان لفولجنسيو باتيستا رئيسها في ذلك الوقت دكتاتورا عسكريّا غارقا حتى أذنيه في الفساد . وصول كاسترو إلى السلطة عام 1959 وإقامة نظام شيوعي في كوبا كان ضربة موجعة للولايات المتحدة التي كانت زعيمة العالم الرأسمالي وحاميته ، والعدو اللدود للاتّحاد السوفيتي الذي كان في ذلك الوقت يشكّل تهديدا خطيرا للعالم الغربي ونظامه الرأسمالي .
* كان المحامي الشاب القرويّ كاسترو الذي قاد حركة التغيير في كوبا ، يمثّل أمل فقراء أمريكا اللاتينيّة بتواضعه وأفكاره الرافضة لتسلّط رأس المال ، والداعية إلى الثورة وسيطرة الفقراء على الحكم في القارة الأمريكيّة . جنّ جنون الولايات المتحدة لوجود دولة شيوعيّة متحالفة مع عدوّها الاتحاد السوفيتي على حدودها ، فقطعت علاقاتها الدبلوماسية والتجارية وأوقفت إتصالاتها البرية والبحرية والجوية مع كوبا وحاصرتها إقتصاديا ، وتآمرت مع المعارضة الكوبية التي تجمعّت في ولاية فلوريدا المجاورة لها وحاولت غزوها والقضاء على نظام كاسترو أكثر من مرّة وفشلت .
* كان كاسترو وفيّا لكوبا وأهلها ، ومناضلا عنيدا لا يلين فأقام مجتمعا اشتراكيّا وفرّ حياة كريمة لكل الكوبيين ، وبنى دولة حديثة رغم الصعوبات والمؤامرات ، وكان من المدافعين عن الفقراء والمظلومين في العالم فوقف مع الحق الفلسطيني بصلابة ، وساعد الثورة الفلسطينية وعدّة دول إفريقية ، ودعم حركات التحرّر في مناطق متعدّدة من العالم .
* لقد فشل النظام الاشتراكي الماركسي اللينيني لأنه كان نظاما دكتاتوريا تسلّطيا قائما على الحزب الواحد ولم يراعي الفوارق بين البشر . إنهار الاتحاد السوفيتي وتفكّك إلى عدة دول ألغت جميعها النظام الاشتراكي وأعادت النظام الديموقراطي الرأسمالي . كان ذلك ضربة لكاسترو لأنه فقد حليفه الأساسي الذي حماه من الولايات المتحدة ، ومدّ له يد العون ودعم اقتصاده وتجارته .
* عندئذ توقع العالم أن نظام كاسترو سينهار كما إنهار غيره من الأنظمة الماركسية ، لكن النظام صمد ، ورفض كاسترو أن يستسلم ، واستمر في عناده ولم يتراجع رغم الصعوبات السياسية والاقتصادية التي واجهها ، وظل وفيّا لشعبه ولما آمن به حتى وفاته .
* لم يكن كاسترو قدّيسا بل كان ثائرا ودكتاتورا حكم كوبا أكثر من خمسين سنة ، وحلم بتغيير العالم ، وكان له الكثير من المؤيّدين والمعجبين والمعارضين في كوبا ، وفي القارة الأمريكية ، وحول العالم . إنه من قادة العالم الكبار الذين خدموا أوطانهم بإخلاص ، وكان لهم حضور سياسي دولي مهم خلال الحرب الباردة بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي ، ودخلوا التاريخ بمناصرتهم للحق وكفاحهم ضدّ الاستبداد والظلم .
* رغم فشل الماركسية ، وتراجع المدّ الثوري على مستوى العالم ، وإمكانيّة أن تتحول كوبا إلى دولة ديموقراطية وينتهي بذلك النظام الشيوعي الوحيد في القارة الأمريكية ، سيظل فيدل كاسترو من الثوار العظام الذين حاولوا أن يغيّروا العالم .