* الضمير هو محكمتنا الشخصية الغير مرئية التي نلجأ إليها لمعرفة ما إذا كانت أفعالنا ، وأحكامنا على الآخرين ، وتعاملنا معهم خطأ أم صوابا . إننا نشعر بالسعادة والرضى عندما يخبر ضميرنا عقلنا الواعي أن تصرّفنا كان صائبا ، ونشعر بالاحباط والندم الشديد عندما يخبرنا أن ما قمنا به مخالف لأخلاقنا ، ومثلنا وما نؤمن به ونتبنّاه من قيم ومبادىء ، وإنه أضرّ بالآخرين وسبّب لهم متاعب لا نقبلها لهم أو لأنفسنا .
* الضمير الانساني الحيّ هو مصدر الخير والنور والجمال في النفس الانسانية . إنّه يزن الأمور ويصدر أحكامه عليها بنزاهة وصدق . ولهذا فإنّه لا يعيش ويترعرع ويعمل إلا في النفوس الطيّبة الأبيّة ، والعقول الواعية المستنيرة التي تستطيع أن تفهم ماهيه الشيء وضدّه ، وأن ترى الخير فتدعمه ، وترى الشر فتتصدّى له وتحاربه .
* إنه هو الذي تصان به الحقوق المتمثلة في حقوق الله ، وحقوق الناس ، وتحرس به الأعمال الصادقة المثمرة من دواعي التفريط والاهمال . ولأنه قوي في حرصه على الحق والحقيقة والانصاف ، فإنه يزيد المحبّة والوئام بين الناس ، ويعلي كلمة الحق ، ويدافع عن المظلوم ، وينشر الاحساس بالجمال ، ويجعل للعلاقات الانسانية بعدا رائعا ينتج تفاهما وتعاملا صادقا وثقة تريحهم ، وتزيد حياتهم بهاء وسرورا .
* وعندما يموت ضمير الناس في مجتمع ما ، يصبح كل شيء مباح ، فتسقط الممنوعات ، ويتحوّل الانسان إلى وحش كاسر لا تهمه الا منافعه ومصالحه ، ويسود النفاق والخيانة ، ويتحوّل الحلال إلى حرام ، والحرام إلى حلال ، وينتشر ظلم الضعفاء واستغلالهم ، وتصبح القذارة واللصوصية شطارة ، وتتحول القيم النبيلة إلى مظاهر وممارسات زائفة ، وتلوّث العقول ، وتثور الأحقاد والبغضاء بين الناس ، وتهون الأوطان ، ويزيّف التاريخ ، وتستبدل الحقائق بأكاذيب ، وتنتشر الجرائم صغيرها وكبيرها ، وتصبح الأمة كلها في مأزق .
* الانسان الذي مات ضميره مهما كان الدين أو الفلسفة التي يؤمن بها ، ومهما كانت درجة تديّنه الظاهرة ... ومواظبته على العبادات في المسجد ، أو الكنيسة ، أو المعبد ، أو مواعظه في القيم والأخلاق ... ، فإنه يفعل ذلك نفاقا ولخداع الآخرين ، وإنه لا يؤتمن على شيء ، ولا يستحق الثقة ، لأن أعماله وتصرفاته تقرّرها أنانيته وجهله وجشعه .
* أما ذو الضمير الحي فإنه الانسان الذي يخضع لمحكمة ضميره ، ويقبل أحكامها المنصفة حتى وإن كانت لمصلحة أعدائه وينفذها بلا تردّد ، ويحرص على مصالح وحقوق الآخرين ، ويعمل من أجل الخير العام . إنّه يجعل للحياة قيمة سامية ، ويضيف إليها بهاء وجمالا بإنسانيّته وسموّ أخلاقه وتسامحه مع كارهيه ، وبوقوفه مع الحق وتصدّيه للظلم والباطل . وصدق أحد الحكماء بقوله " إجتهد دائما أن تحافظ على تلك الشفرة الالهية التي تضيء القلوب وهي الضمير ."