إزداد وطيس معركة الانتخابات الأولية على الترشح للرئاسة الأمريكية إشتعالا بين المرشحين الأوفر حظا هيلاري كلينتون عن الحزب الديموقراطي ، ودونالد ترامب عن الحزب الجمهوري . وإذا استمر الوضع كما هو عليه ولم تحدث مفاجئة أو مفاجئات غير متوقعة ، فإنه من المرجح أن يتنافسا على الأنتخابات في شهر نوفمبر من هذا العام وإن أحدهما سيكون ألرئيس القادم ألذي سيحكم أمريكا حتى نهاية عام 2020 .
هذه الحملة إتسمت بشراسة غير معهودة ، خاصة من جانب ترامب ألذي أعلن عنصريته ، وحقده على الاسلام والمسلمين ، واستعداده لرفض تسوية مشكلة المقيمين بطريقة غير مشروعة وتسفيرهم . إنه يرفض المشروع الذي تقدم به الرئيس أوباما لحل هذه المشكلة ، والذي عطل تبنيه والموافقة عليه الجمهوريون في الكونجرس ، وإنه يريد بناء جدار فاصل مع المكسيك للحد من تدفق الهجرة الغير شرعية .
تسابق ترامب وكلينتون في النفاق لاسرائيل كالعادة ، ودخلا في سوق مزاد علنى في تقديم ولائهما لها ، وحرصهما على حمايتها ، واستعدادهما لدعم احتلالها وسياساتها العنصرية ضد الفلسطينيين . كل منهم يزايد على الآخر وعينه مركزة على الدعم المالي السخي والاعلامي المهم للجالية اليهودية المنظمة جدا ، والني تلعب دورا محوريا في الانتخابات الرئاسية ، وفي إنتخابات الكونغرس ، وفي توجيه السياسة الأمريكية لخدمة إسرائيل .
من الممكن أن ينجح ترامب رغم عنصريته ، ورغم عدم خبرته السياسية في الساحة الأمريكية ، وجهله في السياسات والعلاقات الدولية ، ومحدودية معرفته بثقافات العالم . قد ينجح لأنه يركز في حملته على المشاكل والشؤون الداخلية الأمريكية ، وفي مقدمتها البطالة والاقتصاد ألذي يوليه المواطن الأمريكي العادي جل إهتمامه . ألشعب الأمريكي لا يهتم بالسياسة الخارجية كثيرا كما هو الحال في أوروبا ودول أخرى .
هذة اللامبالاة الشعبية والعزلة ليست جديدة على أمريكا وشعبها . ظلت الولايات المتحدة منعزلة عن العالم حتى الحرب العالمية الأولى ، ولم تتعرض لحروب خارجية بسبب موقعها الجغرافي ولأنها الأقوى في القارة الأمريكية .
لقد وصف الزعيم الألماني بسمارك العزلة الأمريكية بصدق عندما قال " ألولايات المتحدة هي الدولة الأكثر حظا بين القوى العظمى لأنه يحدها من الجانبين جارين ضعيفين ، ومن الجانبين الآخرين فإنها محاطة بالأسماك ." أي إنها واقعة بين محيطين ودول لاتينية أضعف منها بكثير . بالنسبة لنا كفلسطينيين سواء أيدنا كلينتون أو ترامب ، فاننا لن نكسب شيئا من أي منهما ، لأن العلاقات الأمريكية الاسرائيلية التحالفية لا يمكن تغييرها أو تعديلها بسهولة .
إنها قائمة على المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية والثقافية المشتركة بين البلدين . ولأن الامريكان دينهم مصلحتهم وتاريخهم خير شاهد على ذلك ، فإن هذه الشراكة المصلحية بين الطرفين ستستمر وتزداد قوة في المستقبل .
لقد كانت كلينتون وزيرة للخارجية في إدارة أوباما الأولى ولم تفعل لنا نحن العرب والفلسطينيين شيئا ، لا هي ولا رئيسها . إنني لا أتوقع أي تغيير جوهري بالنسبة لحل القضية الفلسطينية من الادارة القادمة سواء كانت كلينتونية أو ترامبية ، وإن معانات شعبنا سوف تستمر وقد تزداد سوأ بسبب الانقسام الفلسطيني ، والحروب العربية ، وتدهور الأوضاع المستمر على جميع الأصعدة في المنطقة .
ولهذا فإن الاحتمال الاكبر هو أن القتل والدمار والخراب الذي تقوم به أمريكا بالتعاون مع عملائها العرب في المنطقة سيستمر لسنوات طويلة قادمة ، ولن يتوقف إلا إذا نتج عن هذه المآسي إنتفاضات شعبية جماهيرية شاملة لا تتوقف ضد الحكام العرب وأسيادهم . إذا وصل ترامب إلى البيت الأبيض سيدعم كل سياسات إسرائيل ، وسوف يستغل هذا الضعف العربي لابتزاز أمتنا ، وخاصة دول الخليج ، وبطريفة أبشع من الطريقة التي إبتزنا بها أسلافه ، وسيجد المزيد من الرضوخ والاستسلام من حكام الدول العربية مقابل حمايتهم .
في تصوري أننا في السنوات القليلة القادمة سنرى الأهوال ، وأن أكثر من دولة ستشارك في الاعتداء علينا ونهب ثرواتنا ، وأن المزيد من الحكام العرب سيتحالفون مع إسرئيل والغرب لحمايتهم من شعوبهم ، ومن الممكن جدا أن نرى جيش الدفاع الاسرائيلي يتجول علنا وبحرية في شوارع عواصمنا كما تجول ويتجول السياح الاسرائيليون الآن . كلنا نعلم أن الشعب العربي شعب أصيل ، وأنه من محيطه إلى خليجه ضد هذا الظلم والتلاعب بمصيره ومقدراته ، وإنه يرفض ما يحدث الآن من حروب عربية عربية ، وإنه ضد الاستسلام للغرب وللصهيونية ، وضد السلام الذي لا يضمن للفلسطينيين حقوقهم ، وأنه مستعد للموت فداء لوطنه ، لكنه مقيد وعاجز عن القيام بدوره بسبب موامرات وبطش حكامه ضده .
أما بالنسبة للفلسطينيين فإن عليهم أن يعيدوا حسابتهم ويعيدوا النظر في تعاملهم مع الولايات المتحدة . أمريكا دولة مخادعة ، وأن الفلسطيني الذي يتوقع الخير منها كمن يحرث في البحر، يضيع وقته وجهوده من أجل اللاشيء ، وسيندم على ذلك ندما شديدا . الفلسطينيون يعانون الآن من كارثتين : كارثة أوسلو وكارثة الانقسام . لقد قتل الاسرائيليون أوسلو ودفنوه مع رابين ليس فقط لانهم لا يريدون السلام أبدا ، ولكن لأنهم يعتقدون بقوة أن السلام لايخدم أطماعهم وسياساتهم التوسعية. لقد قالها شارون لمجلة " التايم Time " في عام 1998 " لقد خدعنا عرفات بتوقيع إتفاقات أوسلو وسوف نعمل بكل قوة لافشالها ." وهذا ما فعلوه : ضحكوا علينا وعلى العالم لمدة عشرين سنه من مفاوضات اللامفاوضات ، والكذب والخداع باسم السلام في الوقت الذي لم يضيعوا فيه ساعة واحدة في نهب ارضنا وقهر شعبنا . بنيامين نتنياهو أكثر عنصرية ورفضا للسلام من شارون . لقد شغلنا وشغل العالم بأكاذيب عن سلام لا يؤمن به ويعمل ضده منذ توليه الحكومة الاسرائيلية الأولى عام 1996 حتى الآن .
نتنياهو الذي درس البكالوريوس والماجستير في معهد مسا شوستس للتكنولوجا Massachusetts Institute of Technology M . I. T إم .آي . تي ... واحدة من أعظم خمس جامعات في العالم ... إنه يفهم كيف يتعامل مع العالم وكيف يكذب عليه ويخدعه ، ويجيد فن المناورة السياسية . هذا ليس غريبا لأن والد نتانياهو.. بن تسيون نتنياهو..كان أساتذة التاريخ في جامعة برينسيتون الأمريكية العريقة ، وكان صهيونيا متعصبا لا يؤمن بالسلام مع العرب ويعتقد أن إسرائيل يجب أن تظل دائما في حالة حرب مع أعدائها .
هولاء هم رؤساء أمريكا ورؤساء وزراء إسرائيل الذين تعاملنا معهم في الماضي ، ونتعامل معهم الآن ، وسوف نتعامل معهم في المستقبل ( لا فرق بينهم كلهم من طينة شارون ونتنياهو وليبرمان . ) جميعهم يعملون ضد قضيتنا وضد شعبنا ، ويتآمرون علينا وعل مستفبنا ، ويرفضون أي محاولة لاقامة سلام دائم . إنهم يتحدون ضدنا ونحن نتفرق ، إنهم يبنون المستوطنات بأموال يهودية امريكية ويصارعون الزمن في الانجاز ونحن نبدع في خلق الخلافات والاقتتال فيما بيننا ، إنهم يهدمون بيوتنا ونحن مشغولون بخلافاتنا بين دولنا الفلسطينية !! إن كارثة الانقسام التي مضى عليها أكثر من تسع سنوات هي في الحقيقة نكبة فلسطينية ثانية في أضرارها ونتائجها . إن كل من يدافع عن هذا الانقسام البغيض ، ويحاول تبريره ، ويدعم استمراره ، مجرم بحق شعبنا ، ويخدم نتنياهو وعصابات المجرمين أكثر بكثير مما يخدم فلسطين .
ألأمل الوحيد الباقي لنا هوفي إنهاء الانقسام ، والوحدة الوطنية ، والعمل معا من خلال جبهة فلسطينية تستفيد من جهود وتضحيات كل أبناء شعبنا . بوحدتنا جميعا ، وبقرارنا السياسي الواحد ، وقراءتنا الموحدة للوضع الدولي ، ومقاومتنا الموحدة يمكننا أن نحدث تغييرا دوليا إيجابيا يساعدنا في خدمة قضيتنا ويضعنا على الطريق الصحيح للتحرك لتحقيق أهدافنا .