التعصب بجميع صنوفه وأشكاله أساسه الجهل والتخلف الثقافي والحضاري .التعصب الديني هو اسوأ وأخطر أنواع التعصب ، وقد يكون أكثرها ضررا إذا أسيء استخدامه . ألانسان المثقف يرفض أي نوع من أنواع التعصب ، لأنه يتعارض مع القيم النبيلة وسمو الأخلاق ، ويزدري العقل الانساني المبدع الذى بنى هذا العالم المزدهر الجميل .
قد يكون المثقف متدينا ويعمل لنصرة دينه ونشره بين الناس وهذا شيء جميل وبناء ، لكنه يوظف معرفته الدينية ، وثقافته الواسعة ، وثقته بنفسه ، وقدرته المنطقية ، وأدبه ، ومشاعره الانسانية الراقية في تعامله مع الغير وفي توصيله وجهة نظره لهم .
انه يحترم الاختلاف في أراء الناس ، ويحترم الذين يخالفونه في الرأي ويستمع لوجهة نظرهم بتفهم وأدب ، ويحترم قيم وعادات الآخرين وتقاليدهم ، ويؤمن بأن الجهل ، والانفعال ، والصراخ لا يوصل الى الحقيقة ، ولا ينصر قضية ، وان القضايا ذات الأسباب العادلة هي التي تنتصر ، وأن العلم له القول الفصل في كل القضايا التي تهم الكل الانساني ، لأن هدف العلم الأساسي هو البحث عن الحقيقة ، وتعزيز المعرفة الانسانية لخدمة الناس جميعا .
ألمثقف اذا يرفض الانغلاق ، ويتفاعل مع الكل الآخر ، ويبذل جهده للمشاركة في الأفكار والأعمل الخيرة ألتي تعود بالنفع على الجميع . اما المتعصب الجاهل فانه عكس المثقف تماما . انه لا يعرف ولا يفهم جوهر الدين ، ومريض بجهله ، ولا يستطيع كسر حلقة الجهل والتخلف التي يعيش فيها ليتمكن من الخروج منها ، وانه محدود التفكير، ويتسم بضحالة ثقافتة وفقرتجربته المجتمعية والانسانية ، ويكره النجاح والناجحين ، ويرتاح لأقرانه الأغبياء والفاشلين . ولهذا فانه يحكم على الأشياء بأسلوب عاطفي نزق وسطحي ومتسرع ، ولاعلاقة له بالتفكيرالعلمي القائم على إعمال العقل والبحث العلمي ، ويميل الى التعميم الغير منطقي ، والى تبسيط القضايا الكبرى لعدم قدرته على فهمها والخوض في تفاصيلها وجزئياتها .
الجاهل يعتقد دائما أنه مركز الكون ، وانه عبقري زمانه ، وانه دائماعلى صواب ، وان افكاره المشتتة حقائق مطلقة . انه غالبا ما يلجأ الى العادات ، والتقاليد ، والاطارالثقافي العام لمجتمعه لتبرير تصرفاته ، وجهله ، وتزمته عندما يفشل بالقول ( بدك اياني اعمل هيك اشو بقولوا عني الناس..هو انا مجنون .) لا يا اخ انت اعقل العقال .
الجاهل يسرف أيضا في استخدام الدين لتبرير مواقفه وجهله . عندما يرتكب معصية يقول " الله ينعل الشيطان "محاولا وضع اللوم على الشيطان ، واذا فشل في حياته يقول " هذا قدري " ، واذا تكاسل ولم يفعل شيئا للخلاص من الفقر يقول "هذا رزقي الذي كتبه الله لي " وينسى ان الله يقول " واسعوا في مناكبها وكلوا من رزقها ، " واذا سرق ، واستغاب الناس ، وخلف الميعاد ، وتجنى على الناس وظلمهم يقول " ان الله غفور رحيم "، وينسى ان الله امره أن لا يفعل هذا وأنه ايضا شديد العقاب .
لهذا صدق من قال الجاهل عدو نفسه ، وأنا أقول لا تثق أبدا بجاهل ولا تخف أبدا من انسان مثقف . الجاهل قد يظلمك وياذيك في أي وقت ، والمثقف ينصفك ولا يظلمك في أي وقت .
التعصب الديني القائم على الجهل والذي يستغل لأهداف اجتماعية أو سياسية يتعارض مع العقل والمنطق . المتعصب دينيا لا يرى إلا نفسه ، ولا يحرص إلا على مصالحه ، ومصالح حزبه ، أو جماعته ، أو أمثالة ومن يتفقون معه في الراي والأهداف . إنه لا يفهم معنى الوطن ومعنى الشراكة فيه ، ويرفض كل من يختلف عنه في الدين أو المذهب أو الفكر ، ولهذا فانه مستعد أن يتجاوز كل الأعراف والقوانين لتحقيق ما يريد .
ولأنه يعتقد أنه هو الوطن ، وهو صاحب الحقائق المطلقه ، فانه على استعداد أن يقوم بأي عمل بشع ، أو مسيء للناس تبرره قناعاته العقلية والدينية مهما كان هذا العمل ضارا ، ودون إعتبار للحق ، أوالباطل أو الأخلاق أو القيم الانسانية. اذا ازداد عدد المتعصبين دينيا في مجتمع ما ، فان هذا المجتمع سيواجه مشاكل كبرى تعطل قدرات أبنائه ، وتمنعه من التغيير للأفضل ، وتعيق حركة بنائه وتقدمه ، وتدمر نسيجه الاجتماعي والثقافي ، وتثير النعرات والفوضى والرعب ، وتخلق حالة من الشك بين الناس وتقضي على الثقة ، والوئام ، والتكافل الاجتماعي .
ما يحدث الآن في أكثر من قطر عربي دليل على أن التعصب الديني هو إبن الجهل الشرعي .لقد حرص الحكام العرب على تجهيلنا خلال الستين عاما الماضية ، ونجحوا في ذلك نجاحا باهرا يشكرهم عليه أعدائنا شكرا جزيلا .اننا نحترق الآن بنيران تعصبنا الديني وجهلنا . لقد أعمى التعصب والجهل أبصارنا ، وغيب عقولنا ، ودمر أوطاننا وكما قال غوار الطوشه " صرنا فرجة العالم ."