.........إن هذا الدرج يقصف العمر .
- كما قلت لك لا أملك من المال إلا القليل والمثل يقول " العين بصيرة واليد قصيرة " ، والتوفير من الراتب يكاد يكون عسيرا ، وكل إنسان يتمنى أن يكون له منزل ، وأنا لا يراودني أن أمتلك منزلا ولو في الأحلام .
- لا تتعجل الأمور يا جار ، بالعرض الذي أقدمه لك تستطيع أن تحقق ما عز عليك تحقيقه في الحلم من خلال التقسيط المريح الذي يتلائم مع وضعك المالي . لن تدفع سوى ما توفره من راتبك الشهري دون زيادة ، توقع على عدة كمبيالات ، وأعطيك وصولا بالمبلغ الذي تدفعه وعندما تكتمل قيمة الكمبيالة أعطيها لك . وبهذا فلك الحرية في تغطية ثمن المنزل في سنة أو في عشرين سنة ، المهم أن التنازل الحقيقي والتمليك لك لن يتم إلا بعد سداد قيمة المنزل بالكامل ، فإذا تأخر سداد قيمة أي كمبيالة يتأخر تنازلي لك .
- هل أنت جاد فيما تقوله ، لست مطالبا أن أدفع لك أجرة سنوية .
- لا ، لن تدفع لي أجرة سنوية ، وسدد المبلغ على راحتك .
- ما ثمنه ؟ لا تكن طماعا فموقعه في سفح الجبل ليس مغريا ، إلا أن التقسيط والثمن الملائم قد يغريني.
- الآن أصبح الموقف جادا ، أنت تعلم أنني بنيت المنزل بيدي هاتين قبل سنتين فقط ، وأقمت أعمدة الطابق الثاني وجزءا من الجدران ، فقيمة الأرض وما عليها تساوي عشرة آلاف دينار دون مساومة وهذا الثمن لن تسمع به مرة ثانية .
- ماذا تقصد بحديثك هذا . الدرجات المائتان والأربعون تقف حائلا بيني وبين امتلاكه .
- إن لم تشتر الآن فستندم في المستقبل القريب لضياع هذه الفرصة عليك ، على بعد عشر درجات إلى الأعلى سيشق شارع موضوع مخططه في البلدية ، وفي هذه الحال سيتضاعف ثمن المنزل .
- لماذا تريد أن تبيعه ؟ لم لا تنتظر حتى يشق الشارع ؟
- أنت تعرف أنني بناء ولدي عدة قطع من الأراضي أبني عليها المنازل ، وأبيعها بالتقسيط ، وأشتري الحديد والاسمنت بالتقسيط ، هذه هي التجارة ، أوفر لنفسي العمل ، وأحرك مالي ، وأشتغل بأموال من يدفعون الأقساط سلفا ريثما يكتمل البناء .
- امنحني فرصة كي أفكر في الأمر .
- لك ذلك ، ولكن لا تجعل المدة طويلة ، ولا تنس أيضا أن قيمة ما يدفع جراء التنازل وتسجيل البيت في الدوائر الحكومية تكون على المشتري ، وعندما تقرر الشراء فالإتفاقية بشروطها عند وكيلي المحامي .
لا شك أن الثمن الذي يطلبه معتدل نسبيا ، فلا غلو ولا شطط فيه ، كما أن الموقع لن يكون عيبا فيه إذا ما شقت البلدية الشارع في أعلى القطعة المجاورة للمنزل . والشروط التي وضعها مغرية ، فلن يرهق نفسه بسداد قيمة الكمبيالات ، ولن يدفع أجرة سنوية ، وسرعان ما تذكر " زيد " الدرجات بعددها الكثير ومشقة صعودها ، وتذكر مقاطعة أصدقائه له ، وعدم زيارتهم له عندما سكن في هذا المنزل ، وتذكر كيف أن أحد أصدقائه مع زوجته لم يكملا الصعود ، وعادا من حيث أتيا ، ومن زاره منهم لا يعود مرة ثانية . ولكن الأمر مختلف إذا تم شق الشارع . وأخذت الأفكار تتصارع في ذهنه فهو إن اشترى هذا المنزل فسيحكم على نفسه أن يبقى فيه طيلة حياته ، فهو ليس بدلة أو قطعة أثاث يسهل الاستغناء عنها أو استبدالها ، والموظف يتقاضى راتبا ليس هينا أن يوفر منه بسهولة ، وشراء " زيد " للمنزل سيجبره على شد الحزام على البطن حتى يوفر قيمة الكمبيالة ، لا شك أن ظروفه الحالية تساعده على ذلك ، فأسرته صغيرة مكونة من ابن عمره ثلاث سنوات ، وابنة لها من العمر سنتان ، فمصروفه المنزلي لن يكون باهظا ، وفي العادة أن التزام الفرد بأمر ما يدفعه إلى تنفيذه والوفاء به ، وهذا ما يساعده على التوفير لتسديد الكمبيلات المطلوبة ، إنها فرصة لا تعوض لأن يقتني الإنسان منزلا ، وهذا الحلم ما كان يخطر على بال " زيد " ، فشروطه لم يسمع بها من قبل مما يمكنه من أن يكون له بيت كسائر البشر ، ولكن ما يخشاه " زيد " أن يكون في الأمر خدعة أو يقع في ورطة ، فهو لم يمارس مثل هذه الأمور من قبل ، دخل الشك والريبة إلى نفسه ، والصفة الغالبة عليه التردد وكثرة التفكير ، يقاب المسألة من جميع جوانبها ، ويطرح الاحتمالات التي يمكن أن تطرأ كافة ، فالمغامرة ليست من طبيعته ، وليس تواقا أو شغوفا لممارستها وهذا النمط في أسلوب حياته وتفكيره أضاع عليه فرصا كثيرة ، فهو حذر بشكل ملفت للنظر ، ويرى أن المغامرة تأتي ممن يملك قدرا لا بأس به من الإمكانات تساعده على النجاح في اجتياز مسالكها الوعرة أحيانا .
عرض " زيد " على زوجته ما جرى بينه وبين " شريف محسن " فغمرها فرح وسرور قلما شاهده على وجهها ، وانطلقت في حديثها تشجعه على شراء المنزل ، فهي ترى أنها ستكون في عداد البشر الذين يحترمون أنفسهم بامتلاك منزل ، وتتخلص من تدخل المؤجرين وأوامرهم التي تتعلق بالطراشة والدهان ، والنواهي التي تنصب على أتفه الأمور تمنع المستأجر أن يغلق الباب بشدة . تريد أن يكون لها منزل تأخذ حريتها فيه ، تكون سيدته فعلا ، وصارت تكثر من السؤال ... يتبع2