أه يا عرب لا موتكم موت ولا حياتكم حياة. حتى الشوكولا الذي يباع في بلدانكم ما هو إلا صبغة مدلهمّة وسُكر عبيط أين منه نكهة ثمرة الكاكاوو وطلاوتها.
وهكذا يا سادة يا كرام رميت قطعة الغالاكسي المزيفة أرضا وأنا أكلم الشرطي الذي جاء لأخذ إفادتي التكميلية حول حجم المسروقات ونوعها.
قلت له: أما حجمها فهو كل ما احتوته جدران فيلا من ثلاث طبقات. ونوعها يبدأ بالمفروشات وصولا الى المكيفات وانتهاء – أجلّكم الله – بالسليبات وآخر فردة كلسات وصبّاط.
ودعت الشرطي وزملاءه المرافقين وعدت الى فنجان القهوة, فمنذ وصولي الى الجزائر بعد أن بلغني خبر سرقة الفيلا قبل ثلاثة أيام, أقسمت ان لا أكلم أحدا من الجيران أو أن اشتري منهم خبزا أو حليبا. إعتصمت داخل الجدران الخاوية آكل ما اختزنته من الشوكولا وأشرب القهوة السادة و أترك لمزيد من الكوفايين ومشاعر الغضب تفور وتغلي في شرايني.
في مطار بومدين صدم الشرطي عندما فتح حقيبتي ورأى محتوياتها. فقد سألني عن مهنتي وأخبرته أني استاذ جامعي. لم يكن في الحقيبة لا كنزة ولا بنطلون ولا دفتر ولا كتاب . لم يكن فيها سوى: مقدح " دريل" عدد 2 . واحد للجدران الدقيقة والثاني للباطون المسلح. مفك براغي كهربائي برؤؤس متعددة. "صاروخ" للحف والقطع برؤوس دائرية ذات استخدامات مختلفة. علبة مفاتيح ميكانيكية بعيارات متوالية. علبة براغي وعزق عملاقة. فضلا عن بعض الأدوات التكميلية الصغيرة.
سألني الشرطي عن أغراضي فأجبته أنها للإستخدام الشخصي بداعي الهواية.
كنت في الفيلا الخالية المنهوبة المكنسة من آخر محتوياتها قد فردت عدتي على البلاط العاري وبدأت بأعمال تدريع داخلية تشمل النوافذ والأبواب. لحظات قليلة وأصبح الدار والمكتب أشبه ما يكون بمعتقل غوانتنامو سعيد الذكر. جاء سائقي عبداللاوي , مطأطأ الرأس , دق الباب بيد مترددة وكأنه يتوقع أن الباب سيظل موصدا في وجهه. دخل وهو يبلغني كلمات الأسف الى أن قال: لقد اصبحت أحشم أني دزيري.. عارضته منفعلا.. لا يا عبداللاوي , ما هكذا ينكر المنكر. الجزائر الحبيبة بريئة من دنس ابناء الحرام... حار عبداللاوي جوابا. .. ثم سألني مستفسرا عن أعمال التحصينات العسكرية التي أقوم بها وإن كانت تعني أني سأمدد الإقامة في نفس الحي؟ فأعلمته أن هذا الحي قد حرمت على نفسي الإقامة فيه, حرمة هذا الشهر المحرم.. فاستغرب: إذن لماذا هذه الكلفة الإضافية بجسور وفواصل حديدية ؟؟؟ نظرت إليه مبتسما: أما هذا الحي فسأغادره آخر الشهر. وأما هذه الإستحكامات الدفاعية فلأني اليوم مقبل على أمر جلل. إتسعت عينا عبداللاوي تسألان فيما عقل الفضول فمه.
هذه التحصينات هي رسالة الى شرفاء الحي المزيّفين.. شركاء اللصوص بالصمت والغنيمة وهي تعني فيما تعني : إني أعلن الحرب على هذا الحي وما فيه حتى كشف ملابسات الجريمة وإلقاء القبض على مرتكبيها وإيداعهم السجن. أطل الخوف من عيني عبداللاوي وغابت البسمة عن شفتيه فقد شعر بالخطر وأدرك أني جاد فيما أقول وأنه لن يردّني عن ذالك إلاّ ملك الموت فخرج بعد ان أخذ مني وعدا بأن لا أوّفره إذا ما احتجت لشيء . هزيت له برأسي موافقا ثم تابعت قص وتركيب الحواجز المعدنية.
أرتفع صوت آذان العصر فأعطيت لنفسي استراحة قصيرة, نزلت الى الكراج, أخرجت سيارتي وهي الشيء الوحيد الذي نجى من أيدي اللصوص. أقفلت باب الكاراج من الخارج. ركبت في السيارة . تزاحم الجيران على سطوح فيلاتهم وأمام دورهم لإستجلاء ردة فعل الجار اللبناني, ابن الأرز الذي نتف ريشه بما قدّمته أيدي أولاد النيل.
بصراحة لقد قمت بعملية مسح بصري بلحظات خاطفة لمعظم تلك الوجوه القبيحة المتواطئة فلم أرى أثرا لتأنيب ضمير أو لصحوة وجدان.
ركبت " الفيتاس على البريمير" وسحقت بقدمي دوّاسة البنزين, فجاش المحرك بصوت هادر كالإنفجار ثم تمايلت السيارة بعرض الطريق عاصفة لتآخذ بدربها كل من قد تسول له نفسه أن يتقدم لينافقني بعاطفته الكاذبة أو يقدم لي مشاعره البغيضة الصفراء.
وصلت الى مركز الشرطة. أوقفت السيارة. دخلت وطلبت مقابلة رئيس الشرطة. استقبلني الرئيس بين حشد من شرطييه. وأحسست أني لم أعد أتمالك نفسي فشرعت بإلقاء خطاب :